responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 501
ظُلْمٌ فَلَا يَكُونُ للْحَال مَعَه موقع. وَقَدِ اطَّلَعْتُ بَعْدَ هَذَا عَلَى «تَفْسِيرِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ التُّونُسِيِّ» فَوَجَدْتُهُ قَالَ: وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ أَيْ لَا شُبْهَةَ لَكُمْ فِي اتِّخَاذِهِ.
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ هُوَ مَحَلُّ الْمِنَّةِ، وَعَطْفُهُ بِثُمَّ لِتَرَاخِي رُتْبَةِ هَذَا الْعَفْوِ فِي أَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ جَمِيعِ تِلْكَ النِّعَمِ الَّتِي سَبَقَ عَدُّهَا فَفِيهِ زِيَادَةُ الْمِنَّةِ فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْكَلَامِ هُوَ الْمَعْطُوفُ بِثُمَّ وَأَمَّا مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً إِلَخْ فَهُوَ تَمْهِيدٌ لَهُ وَتَوْصِيفٌ لِمَا حَفَّ بِهَذَا الْعَفْوِ مِنْ عِظَمِ الذَّنْبِ. وَقَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ ذلِكَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ «عَفَوْنَا» مُقَيِّدَةٌ لِلْعَفْوِ إِعْجَابًا بِهِ أَيْ هُوَ عَفْوٌ حَالَ حُصُولِهِ بَعْدَ ذَلِكَ الذَّنْبِ الْعَظِيمِ وَلَيْسَ ظَرْفًا لَغْوًا مُتَعَلِّقًا بِعَفَوْنَا حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ ثُمَّ دَلَّتْ عَلَى مَعْنَاهُ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا لِمَدْلُولِ ثُمَّ تَأْخِيرُ الْعَفْوِ فِيهِ وَإِظْهَارُ شَنَاعَتِهِ بِتَأْخِيرِ الْعَفْوِ عَنْهُ وَإِنَّمَا جَاءَ قَوْلُهُ ذَلِكَ مُقْتَرِنًا بِكَافِ خِطَابِ الْوَاحِدِ فِي خِطَابِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ أَسْمَاءِ الْإِشَارَةِ اسْتِعْمَالًا بِالْإِفْرَادِ إِذْ خِطَابُ الْمُفْرَدِ أَكْثَرُ غَلَبٍ فَاسْتُعْمِلَ لِخِطَابِ الْجَمْعِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْكَافَ قَدْ خَرَجَتْ عَنْ قَصْدِ الْخِطَابِ إِلَى مَعْنَى الْبَعْدِ وَمِثْلُ هَذَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرٌ لِأَنَّ التَّثْنِيَة وَالْجمع شيآن خِلَافُ الْأَصْلِ لَا يُصَارُ إِلَيْهِمَا إِلَّا عِنْد تعْيين مَعنا هما فَإِذَا لَمْ يقْصد تعْيين مَعنا هما فَالْمَصِيرُ إِلَيْهِمَا اخْتِيَارٌ مَحْضٌ.
وَقَوْلُهُ: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ رَجَاءٌ لِحُصُولِ شُكْرِكُمْ، وَعَدَلَ عَنْ لَامِ التَّعْلِيلِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ شُكْرَهُمْ مَعَ ذَلِكَ أَمْرٌ يَتَطَرَّقُهُ احْتِمَالُ التَّخَلُّفِ فَذِكْرُ حَرْفِ الرَّجَاءِ دُونَ حَرْفِ التَّعْلِيلِ مِنْ بَدِيعِ الْبَلَاغَةِ فَتَفْسِيرُ لَعَلَّ بِمَعْنى لكَي يفيت هَذِهِ الْخُصُوصِيَّةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَيْفِيَّةُ دِلَالَةِ لَعَلَّ عَلَى
الرَّجَاءِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ إِلَى قَوْلِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الْبَقَرَة: 21] . وَمَعْنَى الشُّكْرِ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الْفَاتِحَة:
2] وَلِلْغَزَالِيِّ فِيهِ بَابٌ حَافِلٌ عَدَلْنَا عَنْ ذِكْرِهِ لِطُولِهِ فَارْجِعْ إِلَيْهِ فِي كتاب «الْإِحْيَاء» .
[53]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 53]
وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)
هَذَا تَذْكِيرٌ بِنِعْمَةِ نُزُولِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي بِهَا صَلَاحُ أُمُورِهِمْ وَانْتِظَامُ حَيَاتِهِمْ وَتَأْلِيفُ جَمَاعَتِهِمْ مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى تَمَامِ النِّعْمَةِ وَهُمْ يَعُدُّونَهَا شِعَارَ مَجْدِهِمْ وَشَرَفِهِمْ لِسِعَةِ الشَّرِيعَةِ الْمُنَزَّلَةِ لَهُمْ حَتَّى كَانَتْ كِتَابًا فَكَانُوا بِهِ أَهْلَ كِتَابٍ أَيْ أَهْلَ عِلْمِ تَشْرِيعٍ.
وَالْمُرَادُ مِنَ (الْكِتَابِ) التَّوْرَاةُ الَّتِي أُوتِيَهَا مُوسَى فَالتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ، وَيُعْتَبَرُ مَعَهَا مَا أُلْحِقَ بِهَا عَلَى نَحْوِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ذلِكَ الْكِتابُ [الْبَقَرَة: 2] .

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 501
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست